تعُجُّ المعاهدُ والجامعات ودورُ المعارفِ بالأبحاثِ القيّمة، كما تزخرُ رفوفُ المكتبات بمصادرَ بحثيّةٍ تتَّسِمُ بالثّراء والتّنوع مانحةً الطّلابَ والباحثين فضاءَ بحثٍ ثريٍّ ومساحةً لمنح أطروحاتهم الطابع الأكاديمي المعتمد على المراجع العلمية الموثّقة. وتعتبر هذه المصادر مُنطلقًا مرجعيا يُقبِلُ عليه الطلاب مدفوعين بالنَّهَمِ الفكري والشغف الجامح لإثراءِ أبحاثِهم ومنحِها الرّصانةَ، ودقةَ الطّرحِ الذي يوافقُ المنهج العلمي. وإذا كانت المصادرُ والمراجعُ منطلقاً لتوجيهِ أنماطِ التّفكيرِ واحتواءِ الطالبِ في عمله البحثي، فإن العنصر الأقوى في دعمه وإرشاده هو الإشراف العلمي الذي يرافق الطالبَ ويحتوي شغَفَهُ كما يرسم مساراتِ تفكيرٍ جديدةً منذ بداية الأطروحة إلى غاية تتويج البحث بالدّرجةِ العلميّةِ المستحقة.
أهميّة الإشراف العلمي في توجيه الطلاب:
يحتاجُ الطّالبُ أو الباحثُ في مسارِ إنجاز أطروحتِه إلى الدّعمِ والمشورةِ لأنّهُ في بداية مسيرتِه الأكاديميةِ لا يعي الكثيرَ من فنياّت البحثِ، كما يفتقر إلى الأبجديات والأساليب العلمية في إيصال فكرته. فالمشرف باللغة البسيطة التي يفهمها العامة ناصح أمين يحتوي الطالب ويؤطر عمله كما يمنحه مسارا علميا خاليا من الذاتية والتلقائية في الطرح. يساعدُ المشرفُ الطلبة في بناء منهج تفكير علمي وتوظيف المنهج الصحيح بطريقة فاعلة في بحثه.
والمشرف باللغة الأكاديمية هو عضوُ هيئةِ التّدريسِ المكلّف بالإشراف والمتابعة وتأطير نشاط الطالب إلى غاية اكتمال العمل.
ويثير في نفس الطالب المزيد من الفضول عن طريق طرح المزيد من التساؤلات والإبداع في إيجاد إجابات جوهرية لإشكالية البحث.
كما يقوم المشرفُ بالتوجيه والتنقيح حتى يوم تسليم النسخة النهائية من بحث الطالب إلى لجنة المناقشة، وأيضا لا يبتعد كثيرا عن الطالب حتى بعد تسليم النسخة النهائية، بل يُعتبر شريكا للطالب في عمله من حيث استجابته لأسئلة واستفسارات الطالب ودعمه نفسيا حتى الحصول على الدرجة العلمية بإذن الله.
مهام المشرف العلمي:
- تأتي مرحلة الإشراف العلمي بعد مرحلة الإرشاد الأكاديمي، فقد يكون الشرف هو ذاته المرشد الأكاديمي للطالب، فتكون بدايته معه من تحديد مشكلة البحث وعنوانها وخطة البحث حتى إقرارها من المجلس العلمي في كليته.
- ولا يقتصر دور المشرف العلمي على التأطير والمتابعة فقط، بل تتجاوز رسالته الأطر المحدودة لتمتح الطالب دعما نفسيا وإحساسا متصلا بالثقة والجدارة، فيتفنن الطالب في تقديم الأقوى والأكثر إقناعا لمشرفه.
- وينسق المشرف لقاءات دورية مع الطالب يتم خلالها تنقيح المسودات والترجيح بين المصادر وضبط التوثيق ناهيك عن التدقيق العلمي والتمحيص.
- كما أن للمشرف التزامات نحو هيئة التدريس بخصوص أطروحات الإشراف حيث يزود هيئة التدريس بتقارير دورية عند إنهاء كل فصل.
شروط المشرف العلمي:
باعتباره عملا أكاديميا، يخضع الإشراف العلمي إلى ضوابط وشروط دقيقة. حيث يعتمدُ ترشيحُ المُشرفِ العلميّ على قرار مجلس عمادة الدراسات العليا، ويتم إسناد مهمة التأطير والإشراف بناء على الخبرة والجدارة. كما أن تحديد كفاءة المشرف مرتبطٌ بشكلٍ وثيقٍ بأدائه الأكاديميّ وحيازته على شهادات معينة تخوّله وتمنحه الصلاحية لأداء دوره على أكمل وجه. فمن بين شروط المشرفين على رسائل الماجستير والدكتوراه أن يكونوا من الأساتذة أو الأساتذة المشاركين من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة. أما الأستاذ المساعد فبإمكانه تأطير أبحاث الماجستير إذا مرت على تعيينه سنتان كاملتان. وبتوافُرِ المسوغات المقنعة يمكن تعيين المشرف من خارج القسم الذي ينتمي إليه الطالب المعني بالإشراف.
كيفية اختيار الطالب مشرفه العلمي:
بعد تبلور فكرة الإشراف العلمي وتوضيحها فإنَّ الطالب بحاجة إلى أن يختار مشرفا علميا يتابع عمله البحثي، حيث لا يُقبل في نظام الجامعات أن يكون طالبا في مرحلة البحث العلمي في الدراسات العليا بدون مشرف أبدا، فيكون على الطالب الاختيار بناء على عدة موجِّهات:
- انسجام الموضوع مع الخلفية المعرفية أو الميول العلمي للمشرف، حيث لا يصح أن يتولى الإشراف على موضوع ما أحد لا يتبنى فكرة الموضوع ولا ينتمي إلى حقله المعرفي، ففي هذا ازدواجية ضارة على الطالب وعلى البحث العلمي.
- أن يكون المشرف ممن عُرفَ عنه النصح والإتقان في متابعة وتوجيه الطالب، حيث بعض المشرفين يكتفي بوجود اسمه دون أثر إيجابي له، وهنا يقع الطالب في فخ السير في الطريق دون موجه أو ناصح.
- أن يكون المشرف ممن يسمح نصابه بقبول الإشراف على الطالب، فللجامعات أنظمة وأنصبة، فحين يكون المشرف مكتمل النصاب فلا يصح أن يختاره الطالب، ولا يصح منه الموافقة، لأنه سيصطدم فيما بعد بقرار المجلس العلمي بعدم الموافقة، وفي ذلك تضييع وقت.
ولاشك أنَّ الطالب في نهاية المطاف مطلوب منه أن يبذل ما يستطيع من جهود يثبت من خلاله أنَّه جدير بهذه المرحلة، وأنَّه قادر على إنجاز بحثه بعد عون الله تعالى.